أصدر المجلس التأديبي للقضاة قراراً بـ«إعدام» قاضٍ عبر فصْلِه من سلك القضاة. غير أن علامات استفهام تدور حول ما اذا استند قضاة المجلس التأديبي الى أدلة ثابتة أم رضخوا لضغوط لتقديم كبش فداء؟ وهل انطلقوا من تحقيقات أجروها أم استندوا الى الإفادات الأولية للموقوفين الذين تراجع بعضهم عنها؟ وما هو الجُرم المرتكب؟
يوم الثلاثاء، أُبلِغ أحد القضاة الخمسة الذين أحالتهم هيئة التفتيش القضائي الى المجلس التأديبي، بصدور قرارٍ بفصله نهائياً من سلك القضاة. الخبر نزل كالصاعقة على القاضي. وحاله من حال القضاة الأربعة الآخرين الذين يترقّبون دورهم، جرّاء توقيفهم عن العمل نتيجة التحقيق في ملف «الفساد القضائي» الذي بدأه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بعد توقيف «سماسرة قضائيين». غير أنّ المسار الذي سلكه هذا الملف يفتح باباً للتشكيك في أي واقعة، لا سيما أنّ القضاة المتّهمين ليسوا سواسية أمام القانون الذي يخضع لاعتبارات السياسة. ولعلّ حالة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس هي الأكثر نفوراً لجهة تغطية التيار الوطني الحُرّ له.
في ملف القاضي المفصول، علِمت «الأخبار» أنّه أُدين بتلقي ثلاث هدايا: «مسبحة» ثمنها 300 دولار وهاتف من نوع آيفون و«صينية شوكولا»! «الأخبار» اتّصلت بالقاضي المفصول فرفض التعليق أو التصريح. غير أنّ مصادر قضائية كشفت لـ«الأخبار» أنّه لا يوجد دليل قاطع يُدينه، وأن قرار «التأديب» استند إلى إفادات الموقوفين التي وُضِعت في مقابل إفادة القاضي المتّهم، رغم أنّ أحد الموقوفين تراجع عن إفادته الأولية. وأشارت المصادر إلى أنّ القاضي الذي بإمكانه استئناف قرار فصله أمام الهيئة العليا للتأديب خلال 15 يوماً، نفى أن يكون قد تسلّم هاتفاً أو هدية مقابل أي شيء. أما «المسبحة»، فقدّم فواتير من المتجر الذي اشتراها منه. غير أنّ هيئة المجلس اعتبرت أنّ الفواتير أُعطيت له من باب المجاملة. أما «صينية الشوكولا»، فأكد انها جاءته هدية عندما كانت زوجته في المستشفى ولم تكن مقابل أي خدمة. وكشفت مصادر مطّلعة على الملف أنّ القاضي المفصول متّهم بتقديم خدمات قضائية لمتّهمين اثنين، أحدهما مهدي م. الموقوف بجرم تهريب أطنان من المخدرات إلى مصر، وقد نفى القاضي علمه بأن المتهم من ذوي الأسبقيات.
والثاني جوزيف س الموقوف بجرم سمسرة قضائية. وأشارت المعلومات إلى أنّ الثاني طلب عبر الهاتف من القاضي خفض كفالة لموقوف يمكث في السجن خمس سنوات. وبالفعل، خفّض القاضي الكفالة من مليوتي ليرة إلى 800 ألف، فاعتبرت الهيئة أنّ ذلك جاء لقاء هاتف «آيفون»، إلا أنّ القاضي نفى معتبراً أنّه لو حصل ذلك لكان الأجدر على طالب خفض الكفالة أن يدفعها عوضاً من أن يشتري هاتفاً ثمنه أكثر من ألف دولار. في المقابل، تنقل مصادر قضائية مقابلة رواية مغايرة، وتشير الى تواصل القاضي مع تجّار مخدرات، مؤكدة أنّه كان يُقدّم خدمات قضائية لهؤلاء وتسهيلات في المحكمة.
حتى الآن، أُدين القاضي بتلقي ثلاث هدايا: مسبحة وهاتف آيفون وصينية شوكولاتة فاخرة. وإن صحّ ذلك، هل تتناسب العقوبة مع حجم الجُرم المرتكب؟ ألم تكن عقوبة اللوم أو التنبيه أو حتى كسر الدرجة أكثر عدالة من عقوبة الفصل النهائي؟ وهل هذا هو الفساد القضائي المعروف في البلاد؟